عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن الله تعالى قال : من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به و بصره الذي يبصر به ، و يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها و لئن سألني لأعطينه ، و لئن استعاذني لأعيذنه -رواه البخاري .
*الشرح :
قوله - إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب- هذا الحديث حديث قدسي لأن النبي صلى الله عليه و سلم رواه عن ربه و كل حديث رواه النبي صلى الله عليه وسلم عم ربه يسمى عند العلماء حديثا قدسي . المعاداة ضد الموالاة ، و الولي ضد العدو و أولياؤه سبحانه و تعالى هم المؤمنون المتقون و دليله قوله و تعالى [ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ][يونس62-63]
و قوله -آذنته-يعني : أعلمته أي :إني أعلنت الحرب ، فيكون من عادى و ليا من أولياء الله فقد آذن الله تعالى بالحرب وصار حربا لله ، ثم ذكر تبارك و تعالى أسباب الولاية فقال - و ماتقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه -يعني : ما عبدني أحد بشيء احب إلى مما افترضته عليه لأن العبادة تقرب إلى الله سبحانه و تعالى فمثلا ركعتانمن الفريضة أحب إلى الله من ركعتين نفلا ، و درهم من زكاة احب إلى الله من درهمصدقة ، حج فريضة أحب إلى الله من حج تطوع ، صوم رمضان أحب إلى الله من صوم تطوع ، وهلم جرى ولهذا جعل الله تعالى الفرائض لازمة في العبادة مما يدل على آكاديتها و محبته لها .
-و لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل-يعني : الفرائض و الفعل - لا يزال - يدل على الاستمرار يعني : و يستمر -عبدي يتقرب إلي بالنوافل- يعني : بعد الفرائضحتى أحبه الله ، -حتى-تحتمل هنا الغاية و تحتمل التعليل فعلى الأول يكون المعنى : أن تقرب إلى الله بالنوافل ويكون هذا التقرب سببا لمحبته و الغاية واحدة ،
-فإذا أحببته كنت سمعه الذي سمع به-أي : سددته في كل ما يسمع فلا يسمع إلا ما فيه الخير له و ليس المعنى أن اللهيكون سمع الإنسان لأن سمع الإنسان صفه من صفاته أي: صفات الإنسان محدث بعد أ، لم يكن ، و هو صفة فيه أي : في الإنسان و كذلك يقال في بصره الذي يبصر به أي : أن الله فيما يرى إلا ما كان فيه خير و لا ينظر إلا إلى ما كان فيه خير .
-و يده التي يبطش بها -يقال فيها ما سبق في السمع أي : أن الله تعالى يسدده في بطشه و عمله بيده فلا يعمل إلى ما فيه الخير .
-و لئن سألني -أي : دعاني بشيء و طلب مني شيئا لأعطينه .
-و لئن استعاذني لأعيذنه -فذكر السؤال الذي بهحصول المطلوب ، و الاستعاذة التي بها النجاة من المهروب و أخبر أنه سبحانه و تعالىيعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل يعطيه ما سأل و يعيذه مما استعاذ .
من فوائد الحديث : و أعني الحديث الثامن و الثلاثين فيه فوائد أولا : إثبات الولاية لله عز و جل أي : أن لله تعالى أولياء و هذا قد دل عليهالقرآن الكريم قال الله تعالى : [أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ][يونس62-63] .
*ومن فوائد الحديث : كرامة الأولياء على الله حيث كان الذي يعاديهم قد آذن الله بالحرب .
*ومن فوائد هذا الحديث : أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب لأن الله جعل ذلك إيذانا بالحرب .
*ومن فوائد الحديث: أن الفريضة أحب إلى الله من النافلة لقوله -وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه - .
*ومن فوائد الحديث : الإشارة إلى أن أوامر الله عز وجل نوعان : فرائض ، نوافل .
*ومن فوائد الحديث : إثبات المحبة لله عز و جل لقوله - أحب إلي مما افترضتهعليه-و المحبة صفة قائمة بذات الله عز وجل ومن ثمراتها الإحسان إلىالمحبوب و ثوابه و قربه من الله عز و جل .
*ومن فوائد الحديث : أن الأعمال تتفاضل هي بنفسها .
*ومن فوائد الحديث : الدلالة على ما ذهب إليه أهل السنة و الجماعة من أن الإيمان يزيد و ينقص لأن الأعمال من الإيمان فإذا كانت تتفاضل في محبة الله لها يلزم من هذا أن الإيمان يزيد و ينقص بحسب تفاضلها .
*ومن فوائد الحديث أن في محبة الله عز وجل تسديد العبد في سمعه و بصره و يده و رجله مؤيدا منالله عز وجل .
*ومن فوائد هذا الحديث : أنه كلما ازداد الإنسان تقربا إلى الله بالأعمال الصالحة فإن ذلك أقرب إلى إجابة دعائه واعاذته مما يستعيذ الله منه لقوله تعالى في الحديث - و لئن سألنيلأعطينه و لئن استعاذني لأعيذنه .